حسام الغمري يكتب .. غد الثورة ورافعة القوى المدنية

حسام الغمري يكتب .. غد الثورة ورافعة القوى المدنية

حسام الغمري on Twitter: "لخصت فاوجزت واجملت وفصلت… "

بقلم/ حسام الغمري

عقد كامل من الزمان قد انقضى منذ إندلاع ثورة يناير ، ذلك الحلم الجميل الذي صهر الكتلة المدنية الفاعلة في بوتقة الأمل في رحاب ميدان التحرير و الكرامة ، وقد عانت هذه الكتلة من التهميش والإقصاء طويلا ، وأيضا من أعراض مرض الفرقة والتشرذم منذ إنقلاب عبد الناصر المدعوم أمريكيا على دستور 23 الذي اختبر الشعب في ظله مذاق الحرية .. ولا عجب أن ” أفندي” فاز في انتخابات عام 1924 البرلمانية في دائرة نافسه فيها رئيس الوزراء ووزير الداخلية ، ولا عجب أن الملك فاروق كان يقرأ في الصحافة المصرية أخبار بعض التصرفات غير الأخلاقية من بعض أفراد أسرته وحاشيته الخاصة ، دون أن يخشى الصحفي على حياته ، أو تخشى المؤسسة الصحفية التي يعمل فيها من الإغلاق .

ولقد ظُلمت ثورة يناير من أبنائها الذين لم يكونوا أبدا مؤهلين لفهم تحديات ما بعد تنحي مبارك بقدر ما ظلمت من أعدائها ، وليس أدل على ذلك من قبول الثوار مبدأ التصويت على التعديلات الدستورية التي طرحها على الشعب مجلس طنطاوي العسكري ، فكانوا بذلك قد منحوا ” العسكر ” شرعية جديدة ، وأعلنوا استعدادهم لقبول بذور الفتنة المبدورة في تربة الإختلافات الأيدولوجية الخصبة بكل بساطة وبسرعة قياسية ، فظهرت الصناديق التي تقول للدين نعم، قبل أن تتطور في عهد السيسي إلى نعم جالبة النعم ، وليتها كانت كذلك !!

ولقد علمنا من بعض المصادر العسكرية التي شاركت في إدارة هذه الفترة أن معظم القوى المدنية قد تداعت في طلب تأجيل المسار الديمقراطي من المجلس العسكري بزعم أنها غير مستعدة لذلك ، وأنها لن تستطيع منافسة التيار الإسلامي الذي يعمل في الشارع منذ سنوات طويلة ، وهكذا قدمت الروشتة بالمجان إلى ثعالب العسكر ، فأداروا مسارهم الانقلابي بإمتياز ، ولكن هل نستطيع أن نقول الآن أن القوى المدنية تعلمت الدرس واستطاعت العمل في الشارع المصري في السنوات العشر المنصرمة ، أم أنها عادت إلى التقوقع المريب انتظاراً لبعض المنح العسكرية بمقعد أو اثنين في برلماناته المخابراتية مع هامش حركة مهين لا يتناسب مع نبرة الصوت المرتفعة حتى انقلاب يوليو 2013 .

لقد أثبتت التجارب أنه لا يمكن استبدال الحكم العسكري إلا بمنظومة حزبية تتكون من مجموعة من الأحزاب المدنية القوية ، التي تعلم أن انعدام فرص التنسيق بينها هي النافذة التي اعتاد أن يقفز منها العسكر لسرقة حلم الكرامة من الإنسان المصري الذي ناضل من أجل حكم دستوري حقيقي منذ عام 1795 م .. بل استطاع فرض دستوره الأول عام 1779 م ، ميلاديا قبل أن تنجح القوى الإستعمارية في إجبار الخديوي اسماعيل على التنحي ، ثم نجحت القوى الشعبية الحية في فرض الدستور للمرة الثانية في بدايات عام 1882 ميلاديا ، فلجأ الغرب إلى الاستعمار المباشر لإيقاف العمل بهذا الدستور ، فناضل الآباء من جديد حتى نجحوا في فرض دستور 23 الذي استمر ، وحقق طفرات اقتصادية حتى نجح الغرب في دفع بعض الضباط للإنقلاب عليه عام 1952 ، وهو نفس السيناريو الذي تكرر عام 2012 ، والنتيجة دائما واحدة ، امتهان للكرامة الوطنية ، وحق المواطن في الحياة الكريمة وحرية الرأي والتعبير والمشاركة ، ونصيب عادل في ثروات بلاده !

إن من أهداف حزب غد الثورة الذي أعلن تجميد نشاطه داخل مصر في خطوة رمزية لا تسعى فقط لإحراج الأحزاب الكرتونية التي يتدثر بها النظام ، أو يستخدمها كمساحيق تجميل لإخفاء بشاعة ملامحه الحقيقية ذات التفاصيل الفاشية والاقصائية ، بل تسعى لتحفيز القوى المدنية في الداخل والخارج على بذل جهد مستطاع لتحدي القمع والاستبداد ، والعمل في الشارع مستفيدة من التطبيقات التكنولوجية التي فتحت أفاقا جديدة لعمليات الاتصال الجماهيري ، وأن يتنازلوا قليلا عن أبراجهم العاجية ، وهواية التنظير غير المستساغة حين يكون الفعل ضرورة حتمية ، بل واجبا وطنيا لا يتقدم عليه أي واجب آخر ، وصولا إلى منظومة حزبية حية وقوية ، تعلمت من أخطاء يناير 2011 ، وأصبحت تملك من الخبرات ما يؤهلها لإدارة التحول الديمقراطي السليم ، استكمالا لثورتنا الأم عام 1919.

فهل من مُجيب؟