في ذكراها العاشرة..يناير في قلب كل مصري رغم تجاهل نظام السيسي

في ذكراها العاشرة..يناير في قلب كل مصري رغم تجاهل نظام السيسي

سنة أخرى تَمر على ثورة الخامس والعشرين من يناير ليبلغ عمرها الثوري عشر سنوات، وما زال تحقيق أحلامها وتنفيذ مطالبها يلوح في أفق التغيير في مصر، ويراود جيلا من الشباب شارك في الثورة بشجاعة ووطنية، وهو يحمل روحه في يده، وأخرين زُهقت أرواحهم برصاص الشرطة وفاضت إلى بارئها، ليُسطّر التاريخ باسم دماء الشهداء ملحمة بطولية، ما انطلقت إلا لتحقيق العدالة في الأرض وقطع دابر نظام تكبّر وتجبّر وظن أن لن يقدر عليه أحد.

لم يلبث الثوار أن يقطفوا ثمرة ثورتهم ونضالهم الوطني حتى بدأت تروس الثورة العسكرية المضادة في العمل لإعادة تدوير النظام من جديد، عبر الترسانة الإعلامية والدعائية للجيش والأجهزة الأمنية، فأجهض السيسي استحقاقا ديمقراطيا لطالما سعت إليه مصر منذ نشأتها، مستعين ببعض النشطاء والسياسيين والسذج البسطاء من العوام، من ظنوا أن السيسي سيقودهم نحو تصحيح مسار الثورة، والذي يتمثل حسب رؤيتهم القاصرة في إقصاء جماعة الإخوان، لكن الواقع كان صادما فلم يُبق السيسي على من شاركه في انقلابه أو أيّده سياسيا وإعلاميا، فأقصى الجميع إما في السجون أو بالإقصاء والتهميش.

حملة تمرّد

وعلى الجانب الأخر كرّست حركة “تمرد”، التي مولتها الإمارات بسخاء واكتسبت دعماً إعلامياً وسياسيا غير محدود، وحرية حركة من المخابرات والأمن الوطني، فكرة ثورة العسكر في نفوس المصريين الغاضبين من أداء الرئيس الراحل محمد مرسي وحكومته، بهدف حشد الملايين في الميادين يوم 30 يونيو عام 2013، ورغم انخفاض الأعداد بشدة في اليوم التالي، وظهور الأمر وكأن الوضع في طريقه للاستقرار، أصدر السيسي بيانه الأول بإعطاء مرسي مهلة 48 ساعة لترك الحكم قبل أن ينقلب عليه فيما بعد، ليُعيد الخطاب المتظاهرين إلى الميادين مرة أخرى، وهنا فرض السيسي بقوة السلاح لاعباً أوحد على الساحة السياسية، مدبرا مشهد الثالث من يوليو، الذي جمع فيه ممثلي مختلف مؤسسات الدولة المناهضة لثورة يناير، وراء العسكر الذين كانوا رأس الحربة الأولى للثورة المضادة.

بدأ السيسي بعد انقلابه العسكري ووصوله إلى الحكم، من ملاحقة المعارضين السياسيين وقمع الأصوات المناهضة لسياسة التعذيب والقمع وتكميم الأفواه، ووصل الأمر إلى التخلص من شركائه السابقين في الانقلاب أو تقزيم أدوارهم، كما انهارت المعارضة المدنية على المستوى السياسي ولم يعد لها تأثير يُذكر، خاصة بعد استئثار النظام بالأغلبية الكاسحة من مقاعد مجلس النواب بالتزوير، والتلاعب بنتائج انتخابات الاتحادات الطلابية لإقصاء الإسلاميين واليساريين واستمرار تجميد انتخابات المجالس المحلية، فاتسع المجال للسيسي لبيع مقدرات مصر والتفريط في أرضها بثمن بخس، ليلتف أعدائها حولها من كل جانب بمباركة السيسي، لخنقها تارة بمنع المياة وتارة أخرى بالقروض، وهكذا ضاعت ثورة يناير بين الساعين من القوى السياسية لتغليب مصالحهم الخاصة على مطالب الثورة، وبين أنياب الجيش الذي تَحيّن الفرصة لتمزيقها إربا.

إرهاب وتخويف

ومع كل ذكرى تمر على ثورة 25 يناير يدب الرعب في قلب النظام المصري، ويبدأ بحشد قواته وإعلان النفير العام في كل مكان بالدولة وتطويق ميدان التحرير وشارع محمد محمود وبعض الميادين الشهيرة التى انطلق منها الثوار لإسقاط النظام، لمنع أى استدعاء لمشاهد الثورة وإخماد أى تعاطف محتمل ولو برفع لافتة أو رسم جرافيتى على حيطان الشوارع والميادين، فاتبعت وزارة الداخلية أسلوب التفتيش الذاتي  لمن تستوقفهم في الشوارع وتفتيش هواتفهم المحمولة وأجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم، بحثاً عن أي تدوينة أو فيديو أو رسالة تُذكر بثورة يناير.

ورغم انقطاع قسم كبير من المؤمنين بثورة يناير واختفائهم من المشهد بسبب وحشية النظام، وبات من المستحيل أن تندلع ثورة أخرى أو حتى انتفاضة في مثل هذا اليوم تحديداً في ظل الظروف الحالية، إلا أن الفكرة التي بات هذا التاريخ يحملها، تبقى أخطر على نظام السيسي من أي تهديدات وجودية أو تنظيمية أخرى، بسبب أنّ ثورة يناير كانت عابرة للأيديولوجيات والأفكار والمعتقدات والخلافات، وأنّ السلطة لم تتمكن من هزيمتها إلا بعدما انشغل أبناء الثورة بالخاص على حساب العام، وقدموا الطموح الذاتي على المصلحة الوطنية، والتحالف مع أركان الدولة على التفاهم مع شركاء الميدان.

ويرى مراقبون أن سبب إصرار النظام على التشديد الأمني قبل الذكرى العاشرة لثورة يناير، يتعلق بالعقيدة الأمنية للنظام، ويرتبط أيضا بتخويف المواطنين من مجرد التفكير في ما حدث قبل عشر سنوات، ولا يتوقف على وجود تهديدات أمنية جادة من عدمه، وقد تجلى ذلك في التشديد على وسائل الإعلام ألا تتناول أى شيء خاص بالثورة والتركيز فقط على عيد الشرطة، إلى جانب اللقاءات التي عقدها عبد الفتاح السيسي مع المجلس الأعلى للشرطة، وزيارته لكلية الشرطة خلال الأيام الثلاثة الماضية، احتفاء برجالها وكأنه يشكرهم على ما يبذلونه من جهد لحماية نظامه من السقوط على أنقاض دماء شعبه.