الغباء السياسي (2)

الغباء السياسي (2)

 

بقلم/ تامر المغازي
صحفي وعضو الهيئة العليا لحزب غد الثورة

وينتقل بنا المؤلف الي عام 750 م في عهد الخليفة الحمار! – هكذا تجد اسمه في كل كتب التاريخ – ؛ فهو (مروان بن محمد )، آخر خُلفاء بني أمية، والذي تولى الحكم لمدة خمس سنوات فقط، وانهزم أمام العباسيين في معركة (الزّاب ) ، وهرب نحو الصعيد؛ فتعقبه عسكر بني العباس وقتلوه شر قتلة. لقد كان من عادة العرب أن يلقَّب كل مائة عام (حمار )؛ فلما قارب مُلك بني أمية مائة سنة وجاء (مروان )، لقبوه بالحمار؛ فقد اشتهر بالصبر على مواصلة القتال، ولكن هناك سببًا آخر جعل هذا الاسم مقترنًا به، وهو أنه حرّم لعب الشطرنج، ووضع ثلاث عقوبات لمن يمارسها، العقوبة الجسدية، وإطالة فترة سجن المحبوس، وحرمان من يلعبها من حقه في مال الدولة! وقد دفعه إلى ذلك أن أغلب الثوار على بني أمية كانوا يمارسون لعبة الشطرنج، بل إن (عبد الرحمن بن الأشعث ) الذي ثار على (عبد الملك بن مروان ) كان يستخدمها في إعداد خطط المواجهة والفرّ والكرّ.

وكان من أشهر من اتصف بالضعف والغباء (الحاكم بأمر الله ) الذي صعد إلى السلطة في مصر سنة 386هـ، وهو ما زال طفلًا في الحادية عشرة من عمره، وحرّم أكل (الملوخية )، وأمر الناس بالعمل ليل نهار. لقد كانت أمه شقيقة بطريرك أقباط مصر، وجن جنونه وهو يقبع في مغارة أعلى قمة جبل (المقطم )، وشعر بأن صوتًا يناديه ويدعوه إلى التوفيق بين دين النصارى ودين المسلمين، واستخراج دين جديد، وهداه تفكيره إلى أنه ما دام الدين واحدًا؛ فلماذا لا يتوحد جميع الأنبياء في واحد فقط؟ ولماذا لا يكون هو هذا النبي الواحد؟ ولكن (الحاكم ) مات وهو أعلى جبل المقطم، ولم يعثر أحد على جثته، ولم يُحسم شيءٌ مما قيل فيه سوى أنه كان حاكمًا جمع بين الضعف والغباء طوال 25 عامًا جلسَها فوق كرسيّ الحكم!

وينتقل بنا المؤلف عدد من مئات السنين والتي تصل بنا الي عهد (إسماعيل بن إبراهيم بن محمد علي ) قُدّرت ديون (مصر ) على أقل تقدير بنحو 91 مليون جنيه، وهو رقم كبير إذا ما عرفنا أن كل ميزانية الدولة كانت بين 4 و 6 ملايين جنيه؛ فقد أراد (إسماعيل ) أن يصنع لنفسه مجدًا، فأسس العديد من القصور، وأسرف في الحفلات الباذخة التي أقامها وأشهرها حفل افتتاح قناة السويس عام 1879م، وكذلك إنفاق ملايين الجنيهات لاسترضاء الباب العالي (الوالي العثمانيّ )؛ لتغيير نظام توارث العرش وجعله لابنه (توفيق ) بدلًا من أخيه، وكذلك دفع العديد من الهدايا والمنح لشراء لقب (خديوي ).

لقد وضع الخديوي (إسماعيل ) (مصر ) على أول طريق الاستعمار بإغراقها في الديون، وهو الطريق الذي استكمله نجله (توفيق ) بحماقة منقطعة النظير؛ فلم يستجب لمطالب (عرابي ) واستعان بالإنجليز، وسرّح الجيش المصري في 19 سبتمبر 1882م، وعهد إلى قائد إنجليزي بمهمة إعادة إنشاء الجيش المصري؛ فقام بتقليص عدد أفراد الجيش إلى 3 آلاف مقاتل، وأغلقَ تسع مدارس حربية من عشر مدارس، كما أغلقَ الترسانة البحرية بالإسكندرية، وكذلك كل مصانع المدافع والذخيرة التي أقامها (محمد عليّ ).