المهمه الفكرية والفلسفية للحزب المعاصر

المهمه الفكرية والفلسفية للحزب المعاصر

تامر المغازي يكتب: الغباء السياسي(1) – حزب غد الثورة

بقلم / تامر المغازي
كاتب صحفي و عضو الهيئة العليا لحزب غد الثورة . هولندا

فلسفة الممارسة الحزبيه وكيف تتعلق “فلسفة الممارسة” بالمهمة الفكرية للحزب؟ فكما ذهب غرامشي للحديث عن المثقف العضوي والامير الحديث، إلى الإشارة إلى انه لا توجد فعالية بشرية (وليس فقط مؤسسات بشرية بل فعالية بالمطلق) لا يدخلها جهد فكري… حيث يؤكد على استحالة فصل “الصانع عن العارف”. تصبح مهمة النقد والبناء أهم مهمة لفلسفة الممارسة. فهذه الفلسفة تنطوي على نقد لشكل من الممارسة، وتقدم شكلاً جديداً وبديلاً للممارسة السابقة. وعليه تصبح “فلسفة الممارسة” من حيث هي عنوان للمهمة الفكرية للحزب، وسيلة لها مهمة مركبة، من جهة تحرر النخب والقواعد الاجتماعية من اوهام الأيديولوجيا، وتحرر الحياة الحزبية من رواسب هذه الاوهام، والأهم أنها تقدم القاعدة للبدء ببناء آليات عمل حزبية ديمقراطية إصلاحية يمكن الوثوق بها. وهذه المهة لا تتم – فقط- من خلال التصدي المباشر والاشتباك مع مفهوم الأيديولوجيا، بل بالتطور والتقدم نحو (فلسفة الممارسة)، عبر تقديم النموذج البديل بشكل فوري، والتمسك بالأسئلة التي تخلت عنها الأيديولوجيا، او تلك التي يتجنب منطق التفكير الأيديولوجي من التصدي لها. المنطق الأيديولوجي ترك مساحات هائلة دون ان يرتادها الجهد الفكري، وقائمة اسئلة طويلة جداً تجنبت الأيديولوجيات المختلفة طرحها والبحث عن اجابات لها، مما يدفع على الاعتقاد أن نمط التفكير الأيديولوجي لا يمكنه من تقديم إجابات لهذه الأسئلة.

ونقطة المفاصلة بين الأيديولوجيا وفلسفة الممارسة، هي أن الأيديولوجيا تخلط الوقائع بالموقف والرأي، مما يعيق فرصة تشكيل فهم موضوعي للواقع. ويحافظ على فرصة تقديم الواقع ورسم ملامحه بطريقة سجالية. إذ أن طريقة التعامل مع الوقائع هي معيار التمييز بين الفلسفات المختلفة. فإحدى القوائم المهمة لفلسفة الممارسة هي منهجية فهم الوقائع من خلال مسارين متلازمين: تحديد الهدف “المشترك”، و قواعد العمل وشروط أمثلية الفعل لتحقيق الهدف. وأي محاولة لخلط الموقف (وهو تحقيق الهدف)، بالوقائع المتعلقة بتحسين آليات العمل، سوف يعيدنا مرة أخرى إلى هيمنة الأيويولوجيا واوهامها.

ومن الضروري في هذه العجالة التذكير بأن “مفهوم فلسفة الممارسة” لا يستعمل هنا في هذه الورقة بالمعنى الماركسي الذي تبنته الاحزاب الشيوعية من أن “مهمة الفلسفة تغيير العالم، وليس فقط تفسيره” على حد تعبير كارل ماركس. فلسفة الممارسة المطروحة هنا في هذه الورقة قائمة على أساس كونها نمط تفكير (غير أيديولوجي) ينطوي على منهجية محددة وهي: تقديم ما يلزم لتطوير الممارسة خدمة للهدف المشترك، وبالتالي (إحداث التغيير) عبر تطوير آليات العمل. إذ أن فلسفة الممارسة – كما تستخدم في هذا السياق، تنطوي على تقديم مقاربة مباشرة للآداء البديل. هي لا تكتفي بالإشارة النقدية إلى الاداء السابق، بل تتقدم بخطوات حاسمة نحو تقديم تصور لآليات العمل ولقواعد الآداء الجديد. لهذا فإن فلسفة الممارسة لا تساوم ولا تناقش الهدف المشترك، ولكنها تسعى لتطوير صياغته ليصبح قابلاً للقياس والتحقق عبر الممارسة القابلة للتطوير. فلسفة الممارسة تتيح الفرصة لإعادة توصيف الأهداف بما يمكن من ربطها بتطوير آليات العمل.

ولكن الحزب الذي يستلهم فلسفة الممارسة بديلاً للأيديولوجيا يتطلب أعضاء حزبيين من نوع مختلف. فكما تتكئ فكرة الأيديولوجيا على (المناضل الثوري) فإن فلسفة الممارسة تنطلق من تعظيم (المناضل المواطن). ففي كلا الحالين هناك جهد دؤوب ونضال مستمر، ولكن في السياق الأيديولوجي المنطلق من فكرة تناحرية قائمة على فرضية أن الدولة منحازة ولا تخدم إلا مصالح فئة واحدة من المجتمع، وهذه الفرضية تستدعي الحاجة إلى ثوار. في المقابل فإن فلسفة الممارسة تتطلب مواطنين يحفظون مصالحهم ويخدمونها عبر تطوير آليات عمل مؤسسات الدولة، مفترضين أن الدولة للجميع، وهم بهذا الفعل وهذا الاإفتراض يجعلون الدولة في خدمة جميع مواطنيها. بحيث يتحقق التغيير من خلال تغيير آليات العمل وبشكل يصون وحدة الدولة واستقرارها. لنتفق أن كلاهما مناضل، ولكن أحدهما (الثوري يفترض أن الدولة لجزء من المواطنين) ينفي الآخرين ويستدعي نفيه من الآخرين، والثاني (المواطن) يتواصل مع كل المواطنين، ولكن دون أن يخفي حقيقتين: الاولى أنه مواطن ينتمي للجميع، والثانية أنه ينحاز إلى فكرة أو فئة دون أخرى، ويسعى لتطويرها وتحسين التوازن بينها وبين الفئات الأخرى. إذ أن فلسفة الممارسة من حيث هي منهجية لتطوير آليات العمل مع الحفاظ على وحدة السياق، تمثل بديلاً حقيقياً للأيديولوجيا، ولمنطق الاستقطاب الثوري. وتجدر الإشارة هنا، إلى أن الاستقطاب القائم على أسس دينية او جهوية أو عرقية او طبقية، هو نفي موضوعي لفلسفة الممارسة، ونفي للفرصة لتطبيق هذه الفلسفة وانفاذها عبر مسيرة العمل. مع التأكيد على أن فلسفة الممارسة تقدم منظور جديد لنقد طيف واسع من أشكال العمل السياسي والحزبي والفكري، ولكن سنداً لمنطقها (فلسفة الممارسة). فلا يتم نقد الآخر بشكل يتطلب نفيه، بل يتم نقده على أساس الفرصة لتطويره وتطوير أداءه.

وفي حال تبنى الحزب، فلسفة الممارسة، فإنه مطالب، ليس بتقديم تأصيل نظري لهذه الفلسفة، (وربما كان هذا مهماً ومفيداّ ومثريا) ولكن الاولوية المهمة أن يكون لدى الحزب ماكينة عمل فكري تمكنه من تقديم تصورات وبدائل لآليات الممارسة الراهنة. أي أن يتم تحويل الموقف النظري إلى ممارسة تدفع للإطمئنان إلى النوايا. وذلك يتم بتقديم آليات عمل جديدة، في القطاعات التي يتصدى لها، والتي تعتبر أولوية للفئات التي يمثلها. فأهم خدمة يقدمها لقواعده الاجتماعية هو في تطوير مطالب واضحة تبقي هذه القواعد ووعيها لمصالحها في سياق الدولة، وذلك عبر تكريس المطالب بتطوير آليات العمل. فمثلاً تطوير التعليم يتم بتطوير آليات التعليم وشكل تنظيم عناصر العملية التعليمية. وفلسفة التعليم هنا، هي الجسر الذي يمكن من إعادة توصيف أهداف العملية التعليمية بطريقة تسمح بربطه بآليات عمل جديدة. كما أن البحث في السياسات المالية يجب أن ينطوي على بدائل وخيارات لتطوير آليات إدارة الموارد المالية للدولة. فلا يمكن مناقشة ضرورة أن تخدم السياسات المالية النمو الاقتصادي، ولكن الحوار هو في كيفية تعريف العلاقة بين النمو الاقتصادي والسياسات المالية، بما يسمح بتطوير الأخيرة.

بقي أن نشير هنا، إلى ان فلسفة الممارسة تمكن من تطوير آليات عمل الحزب نفسه، وبذات الوقت، اقتراح تطوير آليات عمل الدولة. إذ أن فلسفة الممارسة، كإطار فكري مرجعي للحزب، تمكنه من التمسك بتطوير آليات العمل على العديد من المستويات في الدولة بما فيها الحزب نفسه. فهدف الحزب هو صيانة وحدة الدولة واستقرارها، والدفاع عن مصالح بعض مواطنيها في ذات الوقت. هذا الهدف ليس موضوعاً للحوار والتفنيد. موضوع الحوار هو في كيفية تحقيق هذا الهدف بآليات عمل متميزة وجديدة.